فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وجملة {يبتغون فضلًا من ربّهم} صفة ل {آمِّين} من قصدهم ابتغاء فضل الله ورضوانه وهم الذين جاءوا لأجل الحجّ إيماء إلى سبب حرمة آمِّي البيت الحرام.
وقد نهى الله عن التعرّض للحجيج بسوء لأنّ الحجّ ابتغاء فضل الله ورضوانه، وقد كان أهل الجاهلية يقصدون منه ذلك، قال النابغة:
حيّاك ربّي فإنَّا لا يَحِلّ لنا ** لَهْوُ النساءِ وإنّ الدّين قد عَزَما

مشمّرين على خُوص مزمَّمة ** نرجو الإله ونرجو البِرّ والطُعَما

ويتنزّهون عن فحش الكلام، قال العجّاج:
وَرَبِّ أسْراب حَجيج كُظَّم ** عن اللَّغَا ورَفَث التكلّم

ويظهرون الزهد والخشوع، قال النابغة:
بمُصطحبات من لَصَاففٍ وثَبْرة ** بَزُرْنَ إلالًا سَيْرُهُنّ التَّدَافُعُ

عَلَيْهِنّ شُعْث عامدون لربّهم ** فهُنّ كأطراف الحَنِيّ خَوَاشِعُ

ووجه النَّهي عن التعرّض للحجيج بسوء وإن كانوا مشركين: أَنّ الحالة التي قصدوا فيها الحجّ وتلبّسوا عندها بالإحرام، حالة خَيْر وقرب من الإيمان بالله وتذكّر نعمه، فيجب أن يعانوا على الاستكثار منها لأنّ الخير يتسرّب إلى النفس رويدًا، كما أن الشرّ يتسرّب إليها كذلك، ولذلك سيجيء عقب هذه الآية قوله: {وتَعاونوا على البِرّ والتقوى}.
والفضلُ: خير الدنيا، وهو صلاح العمل.
والرضوان: رضي الله تعالى عنهم، وهو ثواب الآخرة، وقيل: أراد بالفضل الربح في التجارة، وهذا بعيد أن يكون هو سبب النهي إلاّ إذا أريد تمكينهم من إبلاغ السلع إلى مكَّة. اهـ.

.قال الفخر:

اختلف الناس فقال بعضهم: هذه الآية منسوخة، لأن قوله: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام} يقتضي حرمة القتال في الشهر الحرام، وذلك منسوخ بقوله: {اقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] قوله: {وَلاَ آمين البيتالحرام} يقتضي حرمة منع المشركين عن المسجد الحرام وذلك منسوخ بقوله: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [البقرة: 28] وهذا قول كثير من المفسرين كابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة.
وقال الشعبي: لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية.
وقال قوم آخرون من المفسرين: هذه الآية غير منسوخة، وهؤلاء لهم طريقان: الأول: أن الله تعالى أمرنا في هذه الآية أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين، وحرم علينا أخذ الهدى من المهدين إذا كانوا مسلمين، والدليل عليه أول الآية وآخرها، أما أول الآية فهو قوله: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} وشعائر الله إنما تليق بنسك المسلمين وطاعاتهم لا بنسك الكفار، وأما آخر الآية فهو قوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّن رَّبّهِمْ ورضوانا} وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر.
الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني: المراد بالآية الكفار الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الحظر ولزم المراد بقوله تعالى: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا}. اهـ.

.قال الخازن:

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية فقال قوم: هذه الآية منسوخة إلى هاهنا لأن قوله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام} يقتضي حرمة القتل في الشهر الحرام وفي الحرم وذلك منسوخ بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله تعالى: {ولا آمين البيت الحرام} يقتضي حرمة منع المشركين عن البيت الحرام وذلك منسوخ بقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} فلا يجوز أن يحج مشرك ولا يأمن بالهدي والقلائد كافر وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر المفسرين.
قال الشعبي: لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية.
وقيل: المنسوخ منها قوله ولا آمين البيت الحرام نسختها آية براءة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم} هذا وقال ابن عباس: كان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعًا فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدًا أن يحج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال آخرون: لم ينسخ من ذلك شيء سوى القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء شجر الحرم.
قال الواحدي: وذهب جماعة إلى أنه لا منسوخ في هذه السورة وأن هذه الآية محكمة قالوا ما ندبنا إلى أن نخيف من يقصد بيته من أهل شريعتنا في الشهر الحرام ولا في غيره وفصل الشهر الحرام عن غيره بالذكر تعظيمًا وتفضيلًا وحرم علينا أخذ الهدي من المُهدين وصرفه عن بلوغ محله وحرم علينا القلائد التي كانوا يفعلونها في الجاهلية وهذا غير مقبول، والظاهر ما عليه جمهور العلماء من نسخ هذه الآية لإجماع العلماء، على أن الله عزَّ وجلَّ قد أحلَّ قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها.
وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه وذراعيه جميع لحاء الشجر لم يكن ذلك له أمانًا من القتل إذا لم يكن قد تقدم له عهد ذمة أو أمان.
وكذلك أجمعوا على منع من قصد البيت بحج أو عمرة من المشركين لقوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

واختلف القائلون بأن المراد من الآمين: المشركون في النسخ وعدمه، فعن ابن جريج أنه لا نسخ لأنه يجوز أن يبتدئ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال، وأنت تعلم أن الآية ليست نصًا في القتال على تقدير تسليم ما في حيز التعليم، وقال أبو مسلم: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [التوبة: 28]، وقيل: بآية السيف، وقيل: بهما، وقيل: لم ينسخ من هذه الآية إلا القلائد، وروي ذلك عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وادعى بعضهم أن المراد بالآمين: ما يعم المسلمين والمشركين، وخصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ، والنسخ حينئذ في حق المشركين خاصة.
وبعض الأئمة يسمي مثل ذلك تخصيصًا كما حقق في الأصول، ولابد على هذا من تفسير الفضل والرضوان بما يناسب الفريقين. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا}:

.قال الفخر:

هذه الآية متعلقة بقوله: {غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] يعني لما كان المانع من حل الاصطياد هو الإحرام، فإذا زال الإحرام وجب أن يزول المنع. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا}.
تصريح بمفهوم قوله: {غير محلّي الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 1] لقصد تأكيد الإباحة.
فالأمر فيه للإباحة، وليس هذا من الأمر الوارد بعد النهي، لأنّ تلك المسألة مفروضة في النهي عن شيء نهيًا مستمرًّا، ثم الأمر به كذلك، وما هنا: إنَّما هو نهي موقّت وأمر في بقيّة الأوقات، فلا يجري هنا ما ذكر في أصول الفقه من الخلاف في مدلول صيغة الأمر الوارد بعد حظر: أهو الإباحة أو الندب أو الوجوب.
فالصيد مباح بالإباحة الأصليّة، وقد حُرّم في حالة الإحرام، فإذا انتهت تلك الحالة رجع إلى إباحته.
و{اصطادوا} صيغة افتعال، استعملت في الكلام لغير معنى المطاوعة التي هي مدلول صيغة الافتعال في الأصل، فاصطاد في كلامهم مبالغة في صاد.
ونظيره: اضطرّه إلى كذا.
وقد نُزّل {اصطادوا} منزلة فعل لازم فلم يذكر له مفعول. اهـ.

.قال الفخر:

ظاهر الأمر وإن كان للوجوب إلا أنه لا يفيد هاهنا إلا الإباحة.
وكذا في قوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]
ونظيره قول القائل: لا تدخلن هذه الدار حتى تؤدي ثمنها، فإذا أديت فادخلها، أي فإذا أديت فقد أبيح لك دخولها، وحاصل الكلام أنا إنما عرفنا أن الأمر هاهنا لم يفد الوجوب بدليل منفصل والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا حَلَلْتُمْ} من الإحرام المشار إليه بقوله سبحانه: {وَأَنتُمْ حُرُمٌ} {فاصطادوا} أي فلا جناح عليكم بالاصطياد لزوال المانع، فالأمر للإباحة بعد الحظر ومثله لا تدخلن هذه الدار حتى تؤدي ثمنها فإذا أديت فادخلها أي إذا أديت أبيح لك دخولها، وإلى كون الأمر للإباحة بعد الحظر ذهب كثير.
وقال صاحب «القواطع»: إنه ظاهر كلام الشافعي في «أحكام القرآن»، ونقله ابن برهان في «الوجيز» عن أكثر الفقهاء والمتكلمين لأن سبق الحظر قرينة صارفة، وهو أحد ثلاثة مذاهب في المسألة، ثانيها: أنه للوجوب لأن الصيغة تقتضيه، ووروده بعد الحظر لا تأثير له، وهو اختيار القاضي أبي الطيب الطبري في «شرح الكفاية» والشيخ أبي إسحاق وابن السمعاني والإمام في «المحصول»، ونقله الشيخ أبو حامد الإسفرايني في «كتابه» عن أكثر الشافعية، ثم قال: وهو قول كافة الفقهاء، وأكثر المتكلمين، وثالثها: الوقف بينهما، وهو قول إمام الحرمين مع كونه أبطل الوقف في لفظه ابتداءًا من غير تقدم حظر، ولا يبعد على ما قاله الزركشي أن يقال هنا برجوع الحال إلى ما كان قبل، كما قيل في مسألة النهي الوارد بعد الوجوب.
ومن قال: إن حقيقة الأمر المذكور للإيجاب قال: إنه مبالغة في صحة المباح حتى كأنه واجب، وقيل: إن الأمر في مثله لوجوب اعتقاد الحل فيكون التجوز في المادة كأنه قيل: اعتقدوا حل الصيد وليس بشيء، وقرئ أحللتم وهو لغة في حل، وعن الحسن أنه قرئ {فاصطادوا} بكسر الفاء بنقل حركة همزة الوصل عليها، وضعفت من جهة العربية بأن النقل إلى المتحرك مخالف للقياس، وقيل: إنه لم يقرأ بكسرة محضة بل أمال لإمالة الطاء، وإن كانت من المستعلية. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا}.
يعني إن شئتم، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال، ويدل له الاستقرار في القرآن، فإن كل شيء كان جائزًا، ثمَّ حرَّم لموجب، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب، فإن ذلك الأمر كله في القرآن للجواز نحو قوله هنا: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا} وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض} [الجمعة: 10]، وقوله: {فالآن بَاشِرُوهُنّ} [البقرة: 187] الآية، وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنّ} [البقرة: 222] الآية.
ولا ينقض هذا بقوله تعالى: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] الآية، لأن قتلهم كان واجبًا قبل تحريمه العارض بسبب الأشهر الأربعة سواء قلنا: إنها أشهر الإمهال المذكورة في قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]، أو قلنا: إنها الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].